منهج أفلاطون

يوصف المنهج الأفلاطوني بالمنهج الجدلي، والتحليلي، والفرضي، وهو القاعدة التي يرتكز عليها نسقه الفلسفي كله. لكن نجد محاورات معينة هي التي توصف بكونها تتضمن معطيات هامة حول المنهج عند أفلاطون وهي: محاورة فيدروس والمأدبة والجمهورية (الجدل الصاعد أو صعود العقل نحو المثل) والسفسطائي والسياسي (منهج القسمة) وبرمنيدس وتيماوس.
كان المعنى السائد للجدل قبل أفلاطون هو المناقشة أو فن البرهنة العقلية والدفاع عن الرأي، وهذا هو الجدل الذي مارسه زينون الأيلي (480-420 ق.م) الذي يقال أنه هو مخترع الجدل. كان الجدل عند زينون سلاحا فكريا، يستعمله ليناقش ويحاور ويجيب، منتقلا من نتائج إلى نتائج أخرى، وعموما يمكن القول أن جدل زينون كان يتميز بخاصيتين هما: الانتقال من فرضيات إلى نتائج تُستنتج منها، جعل الخصم يقع في التناقض.
وسنجد هذا التصور عند السفسطائيين بشكل مبالغ فيه. حتى قيل أنه إذا كان جدل زينون يقوم على مبدأ التناقض، فإن جدل بروتاغوراس يهدم مبدأ التناقض ذاته، ويهدم بذلك العقل والجدل.
أما سقراط فسوف يواجه السفسطائيين، ويجعل الإنسان موضوعا للفلسفة ويضع أسس منهج فلسفي، تميز بالتهكم والحوار والتوليد والاستقراء، وتدمير اليقين المباشر
ولقد استخلص أفلاطون منهجه الفلسفي من منهج سقراط، بحيث جعله منهجا يستطيع بلوغ المبادئ السامية للأشياء، أي جعله المنهج الجدلي الأفلاطوني، وجعل مفهوم "التذكر" روحا لهذا المنهج. (في محاورة فيدر وفيدون)
كان الشكل العادي للجدل هو الحوار، لذلك سمي المنهج الحواري بالمنهج السقراطي، ويعرّف أفلاطون الجدلي بأنه "ذلك الذي يعرف كيف يسأل ويعرف كيف يجيب".
إذا كان سقراط يستعمل التهكم لتفنيد خصومه وإسكاتهم، ويستعمل التوليد لقيادة خصومه بالتدريج لبلوغ الحقيقة، فإن أفلاطون كان يستعمل النقد لإيقاظ عقول الشباب أو لإحراج السفسطائيين، ولا يهاجم عن طريق النقد المذاهب الكبيرة مثل مذهب هيراقليطس أو مذهب بارمنيدس، فلما يواجه مذاهب كبيرة يختفي التهكم لتحل محله المناقشة الصارمة والعالمة (مثل ما نجد ذلك في محاورة Théétète ومحاورة السفسطائي ومحاورة Philèbe ).
يمكن القول أن منهج أفلاطون في المحاورات النقدية يعتمد على الخطوات التالية التي تعتبر الدرجات الأولى للمنهج الجدلي وهي مخلصة للمنهج السقراطي:
- طرح السؤال حول تعريف موضوع معين أو مفهوم معين (العلم، الجمال، الشجاعة، الصداقة...)
- ترك الخصم يقدم جوابه ويخوض غمار الجدل
- فحص آراء الخصم وممارسة فن التوليد، فتتوالى الأجوبة التي لا تلقى إلا النقد والتفنيد.
إن الجدل بالنسبة لأفلاطون، خلافا لسقراط، هو الذي يمكن من معرفة ما هو موجود، إنه هو الفلسفة ذاتها، فالفيلسوف جدلي، والجدل هو العلم الوحيد الحق. فللصعود من عالم الحس في اتجاه العالم العقلي لا بد من استعمال الجدل، الذي يقود إلى ماهية الأشياء بالانتقال من أطروحة إلى أخرى، عبر مراحل على طريقة الرياضيين بدءا من حالة ملموسة وحتى التعريف المجرد.
وعلى سبيل المثال، كيف يتم الصعود عبر مراحل من حب جسد جميل (من الملموس) إلى حب الجمال في ذاته (الوصول للمثال)؟
- نحب جسما جميلا، يتم ذلك عبر انطباع حسي (يتعلق الأمر بصورة أو مظهر خارجي)
- نحب أجساما جميلة كثيرة، عبر الرأي الذي تكوّن لدينا بصدد تلك الأجسام، هو رأي صحيح لكنه غير مبرر
- نحب الأرواح الجميلة عبر البرهنة العقلية والتعريف
- نحب الجمال في ذاته، عبر الحدس العقلي للماهيات (المثل)
وهذا نموذج للجدل الصاعد الذي هو الانطلاق من تنوع المحسوسات، لبلوغ غايته القصوى وهي إيجاد وحدة الماهيات (الخير، الحقيقة، الجمال)، هذه الغاية التي تشكل نقطة بداية الجدل النازل الذي يهدف إلى إيجاد الوحدة (الماهية) في تنوع المحسوسات.
وما يقود الفيلسوف في منهجه هو التذكر، أي أن الروح تعرف مسبقا المثل أو الماهيات، وهذه المعرفة المسبقة المنسية هي التي تجعل البحث عن الحقيقة ممكنا.

تم عمل هذا الموقع بواسطة